الكاتب والصحفي خضر رسلان
مسار ومخاض عميق، يتناول مختلف أوجه حياة شعوب المنطقة تقوده الولايات المتحدة الأميركية بالتشارك مع الكيان الصهيوني وتغطية من معظم المنظومة الغربية وكثير من الأنظمة العربية في اتجاه لا يمكن الجزم، بما سينتهي اليه من نتائج. الا انه هناك امر واحد يمكن استشرافه هو ان وجه المنطقة لم ولن يسمح أصحاب الأرض ان يتغير، وفق ما تشتهيه وتمليه الاهواء الأميركية التي ورغم الضوضاء التي تثيرها وحركات المواقف التهويلية التي تطلقها سواء عبر سفرائها او ادواتها او حتى عبر حاكم بيتها الأبيض دونالد ترامب ستجد نفسها ولأسباب موضوعية تتراجع شيئًا فشيئاً بعد اصطدامها في واقع الانعكاسات الخطيرة وغير المحسوبة التي اول ما يمكن لها ان تصيب الولايات المتحدة الأميركية نفسها في مواطن عديدة ومتنوعة ابرزها التشظي الكبير المتوقع لها ان تصيب موقعية الولايات المتحدة الأميركية كقوة احادية في العالم فضلا عن الانهيارات الاقتصادية المهولة والتي من المرجح لها ان تصيب الكثير من دول العالم لا سيما الدول الصناعية منها ومن ضمنها الداخل الأميركي نفسه وذلك كله اذا ما تهورت إدارة دونالد ترامب وارتكبت حماقة اشعال حرب مع ايران وهي مغامرة غير محسوبة العواقب بالنظر الى ما تمتلكه الجمهورية الإسلامية من إمكانيات وقدرات رادعة يمكن تلخيصها في نقاط عدة لعل ابر زها التالي:
1-الهوية القومية والدينية:
لعبت الهوية الايرانية تاريخيا دورا أساسيا في تشكيل منظومة حصانة امام كل الاخطار الخارجية ، نظرا للشعور القومي الايراني الجامع الذي تتشارك فيه مختلف شرائح المجتمع الايراني حول احقية دولتهم ذات التاريخ الحضاري المتجذر ان تمارس الدور الذي تستحقه سواء اكان ذلك في الدفاع عن مصالحها في محيطها، او تعزيز نفوذها في المنطقة، وهذا امر عرفته الأجيال الإيرانية عبر التاريخ واصبح من المسلمات التي يجمع عليها كل الإيرانيين بمختلف اتجاهاتهم وهذا امر يزيد من صلابة أصحاب القرار في ايران في حماية مصالح الامة الايرانية بكل قوة وشجاعة .
2- الموقع الجيوسياسي للدولة الإيرانية
يعتبر غراهام فولر في كتابه "قِبلة عالم ان إيران المركز الجيوسياسي للعالم حيث موقعها مهم ومميز وتستطيع أن تربط بين شمال وجنوب وشرق وغرب العالم نتيجة لتواجدها جغرافيا على تقاطع ثلاث قارات (إفريقيا وأوروبا وآسيا) ودورها الاستراتيجي سواء في الممرات الدولية وموقعها الحساس في مركز الطاقة فضلا عن تحكمها وحدها بمضيق هرمز الذي يمنحها ثقلا سياسيا واقتصاديا هائلا ،ما يؤكد ذلك ارتباط مصالح الدول ال15 التي تجاور ايران معها، وهذا ما يزيد من الثقل الجيوسياسي لإيران في المنطقة.
السؤال الذي يطرح نفسه في ظل تحكم ايران بأحد ممرات العبور الأربعة في العالم ودورها الفاعل في مشروع ربط اوراسيا وموقعها في ممر الحزام والطريق الذي يجمع بين الطرق البحرية والبرية محل طريق الحرير القديم لربط آسيا بأوروبا الى وجودها المؤثر في ممر تراسيكا الأوروبي " أوروبا- القوقاز وآسيا هذا المشروع المسمى "ممر النقل لأوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى" وبالنظر إلى الصلة بين الأمن القومي لهذه الدول والطاقة هل يغامر ترامب ومن خلفه نتنياهو بالذهاب الى المواجهة التي بلا شك وبحسب كل المعطيات ستكون وبالا على الاقتصاد العالمي والولايات المتحدة نفسها ومن غير المعلوم مقدار الارتدادات المتوقعة نتيجة لذلك ومنها ما اشارت اليه مراكز دراسات متخصصة انه لا يبعد في حال وقوع انهيارات كبيرة في الأسهم والبورصة وغير ذلك ان يرتد سلبا على ديمومة استمرار الاتحاد بين الولايات في اميركا نفسها والاتجاه الممكن نحو الانفكاك والتفرد وهذا ما تخشاه دوائر القرار وأرباب الدولة العميقة في اميركا.
3- قوة الردع الإيراني
في اطار توجهات قائد الثورة الاسلامية واستراتيجية زيادة القدرات وجعل الأسلحة ذكية، تعمل القوات المسلحة بشكل يومي على زيادة القدرات الدفاعية للجمهورية الإسلامية ولا مجال للتوقف لحظة واحدة حيث الانجازات الجديدة تعزز بشكل يومي قدرات القوة والاقتدار لإيران ترتكز على التمكين الدفاعي وتنويع اشكال الردع، كتعزيز القوة الصاروخية والطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع في الجيش والحرس الثوري الإسلامي وقبل ذلك كله قرار المواجهة الذي لن يكون مبنياً على ميزان القوى فحسب بل على ميزان الإرادات، بمعنى توافر ارادة القتال لدى القيادة والشعب الإيراني والاستعداد للمواجهة وتقديم التضحيات .
في الخلاصة فانه بالاستناد الى ما ذكرناه من عناصر القوة الإيرانية سواء البعد الحضاري للامة الاير انية او الواقع الجيوسياسي والقدرات الدفاعية الردعية التي تتميز بها الجمهورية الإسلامية والتي اشعرت الكثيرين من دول الجوار بالقلق الشديد جراء اندلاع أي مواجهة سيكونون فيه الطرف الأضعف فان مواقف قائد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي الحاسمة كانت رافدا أساسيا تركت تاثيراتها المعنوية الكبيرة وعززت الجبهة الداخلية في مواجهة الطغيان الأميركي فضلا عن ذلك فان العامل المبدئي الأخلاقي الذي تتبناه الجمهورية الإسلامية منذ انتصار ثورتها المناصر للقضية الفلسطينية والرافض لإعطاء أي شرعية للكيان الإسرائيلي الغاصب والتي على أساسه تشن عليها الحروب و تفرض عليها العقوبات وهذه عوامل بلا شك ستدفع بالكثير من القوى ان تكون معنية في المشاركة الميدانية المباشرة نصرة للجمهورية الإسلامية في حال حصول مواجهة التي تبدو فرص حصولها في ظل موازين القوى الموجودة حاليا ضعيفة الاحتمال ... ويبقى الرادع الأساسي لمنع أي مغامرة او اعتداء صناعة القوة لأن العالم لا يحترم الا الأقوياء.